أثارت صفقة إيران التي وقعت يوم الثلاثاء الماضي انتقادات متوقعة. وبعض الانتقادات تصف الصفقة بأنها «خطأ تاريخي» يضمن حصول إيران على قنبلة نووية! ولكن الصفقة ليست بهذه الدرجة من السوء. ومن المؤكد أن هذه ليست هي الصفقة التي يريدها معظم الناس، فهي تسري على مدار فترة من 10 إلى 15 عاماً فقط. ولا تتخلص من برنامج الوقود النووي الإيراني. ولا تنهي بشكل كامل مشكلة قوة إقليمية متشددة تريد امتلاك سلاح نووي واكتساب العلم والخبرة والقدرة على إنتاجه. ولا تضمن الصفقة أيضاً ألا تشعر دول إقليمية أخرى بالحاجة إلى إنتاج قنبلة خاصة بها. ولنبدأ بأبرز نقاط النقد وهي أن الصفقة تضمن أن تحصل إيران على سلاح نووي، وهذا غير صحيح، بل إن الصفقة ستجعل من الأصعب بكثير على إيران أن تحصل على سلاح نووي في فترة السنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلة. ويُسمح لها أن تحتفظ باثنين في المئة فقط من مخزون اليورانيوم المخصب الذي لديها اليوم ومفاعلها للمياه الثقيلة سيعاد تصميمه حتى لا ينتج وقوداً صالحاً لإنتاج أسلحة نووية. والمفتشون الدوليون سيحظون بإمكانية دخول أكبر بكثير إلى المنشآت المشتبه فيها مما يحظون به اليوم. وبعد انتهاء مدة الصفقة تصبح كل الاحتمالات ممكنة الحدوث. وهناك لغة شديدة في الاتفاق بشأن ما «تخطط» له إيران أو «تنوي» فعله بعد رفع القيود الملزمة، وليس بشأن ما تلتزم بفعله. ونظام التفتيش سيستمر، ولكن إيران سيكون بوسعها إنتاج وقود نووي على مستوى صناعي. ويتعين العثور على استراتيجيات جديدة لمنع إيران من بناء قنبلة. ولكن تقييم هذه الصفقة يتطلب مقارنتها مع أية بدائل أخرى فعلية. ولنأخذ في الاعتبار عدم إدراج بند تفتيش المواقع العسكرية في «أي وقت وأي مكان». صحيح أن مفتشي وكالة الطاقة الذرية الدولية يمكنهم أن يطالبوا بالدخول إلى المواقع العسكرية المشتبه بها ولكن يتعين إصدار إخطار قبل 14 يوماً مع وجود فترة تحكيم محتملة مدتها عشرة أيام. ولكن فترة الإخطار والتحكيم لا جدوى منها تقريباً بسبب الصعوبة البالغة في إزالة آثار النشاط الإشعاعي، ومن المهم أن المفتشين سيكون لديهم الحق في فحص المواقع العسكرية. صحيح أنه كان من حق المفتشين الذهاب إلى أي مكان وفي أي وقت في العراق بين حربي الخليج وكان هذا أفضل. ولكن العراق كان قد تم إلحاق الهزيمة به وإيران ليست كذلك. ولم يكن من الممكن أن تذعن لهذه البنود. ولعل أشد ما أثار الغضب في الصفقة هو التنازل في رفع العقوبات الدولية. وأشد العقوبات فعالية فرضت عام 2010 لإجبار الإيرانيين على العودة إلى طاولة المفاوضات. والاتفاق أبرم الآن وهو مدعوم بقوة من قبل الأوروبيين الذين فرضوا بعضاً من أشد العقوبات فعالية، ومن الروس والصينيين الذين لم ينقضوا هذه العقوبات على الأقل. وهذا النوع من الوحدة الدولية نادر. ولو كانت الولايات المتحدة انسحبت من المحادثات لأنها لا تستطيع التخلص من برنامج الوقود النووي الإيراني وهي استراتيجية لا يدعمها بعض الأطراف المفاوضة، ما كان من المتوقع أن تصمد العقوبات لفترة طويلة. صحيح أن إيران عندما تصبح أغنى سيكون لديها المزيد من المال لتخصصه للعدوان العسكري في المنطقة. ولكن من يعتقدون أن النظام الإيراني سيصبح أكثر سلمية وتعاوناً يخدعون أنفسهم. وكل ما فعله الرئيس أوباما والمفاوضون عن الدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا هو أنهم كسبوا بعض الوقت. وقد وصف نتنياهو الاتفاق الذي أبرم يوم الثلاثاء بأنه «خطأ تاريخي» وهي نفس العبارة التي استخدمها لوصف الاتفاق المؤقت الذي تم التوصل إليه في نوفمبر 2013. وهو مخطئ بشأن هذا لأن الاتفاق جمّد أو عاد القهقرى بالبرنامج النووي الإيراني أكثر من 18 شهراً. وهذه الصفقة تعد بتعزيز هذه المكاسب وتوسعها لمدة 10 سنوات. وعندما تمر هذه المدة قد يتعين على الولايات المتحدة أو إسرائيل أن تشن ضربات جوية أو قد لا يتعين عليها هذا. ولكن ما الداعي إلى الهرولة للحرب الآن؟ ينشر بترتيب «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»